شندين آغا والسايح
المسكوبي
في سنة 1853 أتى إلى
دمشق سائح رومي وكان برفقته ترجمان عرّفه كل المحلات التي يؤمها السياح . وبينما
كان ماراً من أمام منزل شندين آغا رآه جالساً قرب باب بيته وحوله خلق كثير . فسأل
السائح الترجمان عنه ، قال أنه من أعيان البلد يتفرج السياح على منزله حين يأتون
هذه الجهات . فطلب أن يزوره . وتقدم الترجمان يستأذن شندين آغا فسمح له بذلك اشترط
عليه أن يتناول طعام الظهر عنده ، فقبل السائح هذا الشرط . ولما أحضروا الطعام جلس
شندين آغا مع السائح في جهة وباقي الحضور في الجهة الأخرى وكان السائح مسروراً
جداً لرؤيتهم يأكلون بهذه الصفة . ولما انتهى طعامهم وقاموا ودع شندين آغا وخرج
فرأى قرب الباب حصاناً عربياً مسرجاً بعدته الكاملة وهو من خيار الخيل فسأل عنه
قيل له إنه هدية من الآغا لكم ويستحيل رفضه فتعجب السائح من هذا الكرم وشكر فضل
شندين آغا ودوّن اسمه عنده ذكراً لهذه الحادثة .
في سنة 1854 اشتهرت
الدولة العلية بالاتفاق مع فرنسا وانكلترا الحرب على روسيا وحاصرت قلعة سيبستوبول
وكانت الجنود العثمانية تجتمع من سائر أنحاء المملكة وقد وقع بعض أسرى عثمانيين
بيد الروس فأخذوهم إلى داخلية البلاد وجمعوهم في محل ليفرقوهم على المدن وكان
مديراً على التفريق أحد القادة العظام رتبته جنرال فكان يأخذ اسم كل واحد وبلده
وأهله ولما انتهى إلى رجل وطلب منه اسمه واسم أبيه قال له أنه يدعى عبد الله ابن
شندين آغا من الشام فعند ذلك أخرجه القائد من الصف وقال له ابقَ هنا لوحدك فاضطرب
عبد الله جداً وخاف خوفاً شديداً وبعد نهاية التفريق حضر إليه القائد وأخذه بعربته
إلى منزله وقال له هذه هي غرفتك وهذه العربة والمنزل والخدم كلهم تحت أمرك ،
ومصروفك تأخذه مني كل يوم عشر ريالات مسكوبية . فانذهل عبد الله من هذه المعاملة
غير المنتظرة وبقي على هذه الحال مدة شهرين حتى تم الصلح وأعيدت الأسرى إلى بلادها
فأحضر له القائد اثني عشر بدلة من سائر الأشكال وأعطاه مايتين ريالاً مسكوبياً
وودعه وقال له أقرِ والدك شندين آغا سلامي وقل له أن السائح الذي أهديته الحصان
لازال يذكر معروفك وهو أنا .
وهنا يحق لنا العجب
لأننا لم نستطع الحكم على أيهما أكرم ولكن هذه الصفات الممتازة من كليهما محبوبة
جداً وتهز النفس طرباً وتسر السامع ولو بعد ألف سنة لأن الحادثة هي التي تؤثر في
النفس إن خيراً أو شراً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق