المغنيتان
ليلى وسارة
في
إحدى الليالي دعى حايم الحكيم الموسيو لوتيكه قنصل ألمانيا في الشام وكانت هاتان
المغنيتان بهجة تلك الليلة التي دعيت إليها وحين ابتدأ الغناء وعزف الآلات جلست في
إحدى زوايا المقعد صامتاً مسروراً لأنني كنت ولم أزل أعتبر صنعتي فلا أظهر خفة ولا
طيشاً حين أسمع أصواتهما الرخيمة ولا انشغافاً بجمالهما وكانتا مصنعتي الوجه
بالأحمر والأبيض والكحل وتجلبنان انتباه الحاضرين بلطفهما فضلا ًعن جمالهما وصوتهما
وكانت تلك الليلة زاهية زاهرة وكنت مسروراً جداً لأنني أحب استماع الصوت الحسن غير
أني تضايقت من كتم إحساساتي فشفقت على المرائين الذين يخفون شعورهم وأتصور ما
يكابدونه من العذاب وهذا العذاب هو قصاص المرائين لأنه كم يلزم للمرائي من العناء
والتعب والقهر حتى يخفي ما يشعر به فمثله كمثل جائع ينكر جوعه وألم معدته يقطعه
نعم إن هذا الألم قصاص إخفاء إحساساته وكان الحضور مبتهجين يصيحون آه يا ستي لأن
هذا الهياج والصراخ يزيد المغنيات تحمساً أما السكوت فيخجلهن ولذلك أرى أنه من
الضروري وجود البعض من السامعين يفعلون هذه الحركات إذ ما أقبح السامع إذا كلمهُ
شخص وبدأ يتثاءب ويتمطى أو لا يبدي إشارة تدل على فهمه ما قيل له لأن هذه البلادة
تعد قلة أدب وسوء تربية أما أنا فبدلاً من أن أتهيج كالباقين أو أظهر بلادة تسأم
السامعين والمغنين أخذت قلماً ونظمت شعراً بهاتين المغنيتين سارة وليلى وهاك ما
نظمته :
وليل
مظلم أجلتهُ ليلى ببدر جبينها فغدا
نهارا
وأرخت
شعرها فبدا ظلام طلبت البدر قالوا البدر
سارا
أبو
الآباء ابراهيم قبلي بها قد هام عن صغرٍ
وحارا
وفرعون
له فيها مقال على إبرام كالحساد غارا
فتى
أم اليهود رأت لموسى على الخدين في العليق نارا
لقد
قال اليهود بصلب عيسى كما قد جاء في كتب
النصارى
على
أولادنا وكذا علينا دم المصلوب طول الدهر
صارا
أرتني
بالخدود دما مسيحي فزادتني برؤيتها وقارا
هممت
بأن أتمم فرض ديني بتقبيل فأظهرت النفارا
ولما
أن رأت تقوى فؤادي لقد سمحت بتقبيل العذارا
فرحت
ولا أشك بعفو ذنبي لو أني للمسيح أخذت
ثارا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق